<TABLE cellSpacing=1 width=40 align=left border=0>
<TR> <td width="100%"> </TD></TR> <TR> <td width="100%">سلفا كير </TD></TR></TABLE>
لم يُثرْ رمز أو ناشط سياسي في تاريخ السياسة السودانية أسئلة وعلامات استفهام وحالة من التوجس، أو حتى التخوف، مثلما فعل سلفا كير منذ تنصيبه خلفا للعقيد جون جارانج رئيسا للحركة الشعبية لتحرير السودان وقائدا لجيشها بعد وفاة سلفه في حادث مروحية بجنوب السودان مساء السبت الماضي. أول أسباب ذلك التوجس أن الرجل سيصبح النائب الأول للرئيس عمر البشير وفق اتفاق السلام الموقع بين حزب المؤتمر الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان في نيفاشا بكينيا في التاسع من يناير الماضي، ورئيسا لحكومة الجنوب، وإن كان لذلك التوجس بعض تبريرات باستدعاء الظرف الدقيق الذي يعيشه كل السودان مع مسلسل الصدامات الدينية والعرقية التي دخلها السودان وعاصمته الخرطوم منذ الإثنين الماضي وإلى هذه اللحظات على خلفية ظروف وملابسات رحيل جون جارانج، والطريقة التي عالجت بها الخرطوم تلك الحالة. حياته تغمرها الصراعات <TABLE width=30 align=left border=0> <TR> <td> </TD></TR> <TR> <td> سلفا كير بمؤتمر نيروبي </TD></TR></TABLE> سلفا كير، الزعيم الجديد للحركة الشعبية لتحرير السودان (من مواليد إقليم بحر الغزال في 1951 ومن قبيلة الدينكا كبرى قبائل السودان بتعداد يتعدى ثلاثة ملايين نسمة متفوقة على القبيلتين النيليتين الأخريَيْن المنافستين في زعامة الجنوب وهما قبيلتا الشلك والنوير) شخصية خلافية؛ فوجهه صارم، ولا يجيد الابتسام، رغم أنه وسلفه جون جارانج عملا بالقوات المسلحة السودانية، ولكن جارانج شخصية مرحة وحاضر البديهة والنكتة، فيما تغلب عليه صفة النخبوية أكثر من سلفا الذي تسيطر عليه وفق رؤية كثيرين ثقافته العسكرية. تاريخ ميلاد سلفا كير، يقول لك إنه كان طفلا يوم اندلع أول تمرد في جنوب السودان بحامية توريت في أغسطس 1955 على خلفية رحيل الجنود البريطانيين تمهيدا لاستقلال السودان في يناير 1956، وما صاحبه من إشاعات بأن كل أمور القيادة العسكرية ستؤول لـ "المندكرو" وهو الاسم المصاحب للشماليين بلغة الجنوبيين أو ما يعرف بـ"عربي جوبا"، فحدث تمرد مسلح أودى بحياة نحو 300 عنصر من الطرفين، ولكنه سجل أول شرارة أو قل فتح أول صفحة في خطاب الحرب والسلام في السودان. وتاريخ ميلاد الرجل يقول لك إنه ربما لم يتشرب بعمق المرجعية العقائدية والفكرية للتمرد في جنوب السودان، وأشهر محطاته كتاب "مشكلة جنوب السودان" من تأليف الراحلين جوزيف أودوهو ووليام دينق، وقد لخص الكتاب المشكلة في ثلاثة أبعاد هي: الإسلام والتعريب والتهميش الاقتصادي، وإلى ذلك ذهب بعدهما أوليفر ألبينو في مؤلفه "مشكلة جنوب السودان.. وجهة نظر جنوبية" (الطريف أن ألبينو عين وزيرا في حكومة المشير سوار الذهب وأعفي بعد فترة وجيزة بتورطه في قضية تهريب مخدرات). وتاريخ ميلاد الرجل يقول لنا إنه كان في مراحل تعليمه الأوسط بعمر يتعدى الـ 10 سنوات، يوم فجرت حركة الأنانيا تمردها العسكري ضد حكومة المركز في الخرطوم بقيادة جوزيف لاقو في 1963. فيما يقول لنا تاريخ الميلاد إن سلفا كير (أو سلفا توري وفق اسمه الكنسي ولأبناء جنوب السودان اسم تمنحه القبيلة وآخر تمنحه الكنيسة مع التعميد) كان جنديا ورجلا راشدا يوم وقعت حركة أنانيا بقيادة جوزيف لاقو اتفاقا للسلام مع نظام جعفر نميري بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا في 3 مارس 1972. ومن غرائب الصدف أن جون جارانج كان سكرتير جوزيف لاقو في غضون المفاوضات والتوقيع على تلك الاتفاقية، وقد سجل اعتراضه كتابة على دمج جيش الأنانيا في الجيش السوداني بعد إحلال السلام، وهو ما حدث بالفعل، لنجد جون جارانج مع سلفا كير يصران على وجود الجيش الشعبي لتحرير السودان وجارانج قائده وسلفا كير رئيس هيئة أركانه مستقلا طوال فترة الست سنوات الانتقالية التي حددها اتفاق نيفاشا الموقع بنيروبي في 9 يناير الماضي والتي سيليها وفق نصوصها استفتاء شعب جنوب السودان لتقرير مصيره بين الانفصال والوحدة. وهنا تتزاحم الأسئلة الساخنة: * أين سلفا كير من قضية وحدة السودان؟. * وكيف سيواجه العناصر الانفصالية في الحركة الشعبية التي آلت إليه قيادتها مع الجيش الشعبي لتحرير السودان؟. * وكيف سيتعاطى مع الخلافات القبلية في الجنوب أو ما يعرف بالصراعات الجنوبية الجنوبية وما أكثرها؟ (الحركة الشعبية بزعامة سلفه جارانج كانت قد شهدت منذ تفجير تمردها في 15 مايو 1983 عدة انقسامات أشهرها انقسام ريك مشار وهو من قبيلة النوير، وتوقيعه لاتفاق السلام مع حكومة الإنقاذ في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، ثم انقسام لام أكول وهو من قبيلة الشلك، ثم انقسام كاربينو وهو من قبيلة الدينكا وقد عاد الأخير مرة أخرى لصفوف الحركة ولكنه اغتيل في ظروف غامضة فيما عاد مشار وأكول إلى صفوف الحركة مؤخرا، دعك عن كون سلفا نفسه كان قد اقترب من الانشقاق قبل وبعد مفاوضات نيفاشا على خلفية خلافات حول أسلوب جارانج في إدارة الحركة والتفاوض مع الشمال). * وهل سيتمكن من الإبقاء على نفس الجسور التي كان قد أقامها سلفه جارانج مع المحيط العربي وتحديدا مصر وليبيا؟. لا أحد يمكن أن يقطع بإجابات فاصلة في أي من تلك الأسئلة أمام شخصية تستصحب بعض الغموض، وليست ميالة للأضواء، ومنحازة لما هو عسكري في داخلها، وإن كانت معلومات متقطعة ومتواترة بعد دخوله لدوائر الضوء الإعلامي عنوة، تقول لك إنه يؤمن بالجماعية في العمل، فيما قطع آخرون بأن شهادة الوفاة للعناصر السياسية من أبناء شمال السودان في داخل الحركة الشعبية وما أكثرها في طور التحرير، باعتبار أنها جميعا قد أبدت ولاء أعمى للعقيد الراحل جون جارانج، ويتشكك كير في أن يكونوا على نفس ولائهم معه. شاهد القول أن سلفا كير في شخصه، ومع كثرة هذه الأسئلة، يبدو كما لو أنه مثل برميل بارود، في ذات الوقت الذي يقترب فيه من الجالس على برميل بارود، في معادلة تعلق وحدة السودان بشخصه، بل وحدة الجنوب ذاته، أقرب ما يكون الأمر لكل أضلاع هذا المثلث: وحدة السودان ووحدة الجنوب كضلعين، وشخصية سلفا كير كقاعدة لهذا لمثلث، تهتف كلها كما هاملت في مسرحية شكسبير: أكون أو لا أكون. |