الأخلاق الجيدة منفصلة عن التدين لأنها مطلب إنساني أكده الدين، ألم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق؟!
والأخلاق الجيدة منفصلة عن التدين أيضا بالصورة التي تشيع عند أناس كثيرين؛ فهو عندهم لا روح فيه، ومقياسه الإكثار من الصلوات والعبادات التي تقتصر على أصحابها، والحفاظ على الجماعات وهيئات معينة في الشكل واللباس، وأمر ونهي يغيب عنه الفقه.. هذا المقياس لديهم ظاهري بحت، تغيب عنه روح التشريع من القيم الأخلاقية والنقاء القلبي والسلوكيات العادلة والرحيمة مع الآخرين، ومن ثم لا يعدون الإنسان صاحب الخلق الحسن الذي يقتصر على الفرائض متدينا، وينظرون إليه بعين الانتقاص.
مثل هؤلاء الناس فهم الدين عندهم منبثق عن نفسيات مشوهة أصلا، ومن ثم فإن النتيجة التي خرجت بها دراسة مركز رؤية للدراسات الاجتماعية بالقصيم من أن "الفهم الخاطيء للدين أهم أسباب العنف الأسري" تمثل سببا ظاهريا في تقديري، والسبب الحقيقي هو أخلاقيات سيئة تتشبث بما يبدو حقوقا للرجل، وإلا فإننا نعرف كثيرا من الناس -رغم اعتقادهم مثلا أن الرجل من حقه أن يضرب زوجته إذا لم تطع أوامره- يعيشون حياتهم وهم يكرمون زوجاتهم ويعاملونهن برفق؛ لأنهم كما قال لي أحدهم: "أخاف أن أجاوز الحق الذي أعطاني الله إياه فأقع في الظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، ولا طاقة لي بظلمات يوم القيامة". المفاهيم وحدها لا تكفي
وهكذا هي النفسية السوية، وهكذا هو صاحب الخلق الحسن، ولو تليت على رأسه مفاهيم خاطئة ليلا ونهارا ما حاد عن الخلق القويم، وما ظلم وما افترى.
نعم، مما لا شك فيه أن الأخلاق السيئة لو صاحبتها مفاهيم خاطئة كانت النتيجة كارثية، لكن المفاهيم الخاطئة وحدها لا تكون زخما مؤثرا بمعزل عن الأخلاق السيئة.
نحن جميعا بحاجة إلى أن يتحول التدين عندنا إلى هاجس أخلاقي نقوم به ونقعد كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "الدين كله خلق، فما زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين".
هو هاجس أخلاقي نزن به أفعالنا وأقوالنا، وقبل ذلك قلوبنا، أين نحن من العدل؟! بل أين نحن من الفضل؟! لأن تضييع الإحسان كخلق والاقتصار على العدل على مستوى الفرد أو المجتمع يقود إلى تضييع العدل تبعا؛ إذ يجفو القلب وينطفئ نور الحرص على العدل شيئا فشيئا مع غياب جمال الإحسان.
لقد تحدث الإمام الشاطبي في "الموافقات" عن هذا المعنى، كيف أن الحكم قد يكون مستحبا إذا نظرنا إليه نظرة جزئية في سياق معين، لكنه قد يصير واجبا إذا نظرنا إليه نظرة كلية؛ لأن فقدانه يؤدي إلى اختلال حياة الناس وعدم استقامة أمورهم.
وتغيير المفاهيم الخاطئة حول علاقة الرجل بالمرأة في الإسلام لابد أن يصاحبه تركيز على التربية الأخلاقية، ومن ذلك تدريب الطرف المظلوم -رجلا كان أو امرأة- على رفض التعامل مع نفسه كضحية، والتفكير بشكل إيجابي.. ونفسية تحرص على التماسك لتحصل على حقوقها أحب إلى الله من أخرى متخاذلة اعتادت التفريط والتنازل عن الحقوق.