خطابه الذي القاه يوم الجمعة 25 سبتمبر من عام 1981 وجه الرئيس الراحل أنور السادات إنذاراً لم يفهم أحد من مستمعيه من هو المقصود به حين قال "إنني أعرف أن هناك ضابطاً منهم هارباً. وربما يكون يسمعني الآن. لقد اعتقلنا كل الآخرين في 5 دقائق وإذا كان هو قد تمكن من الفرار فإنني أقول له إننا وراءه هو الآخر".
كانت عبارات السادات التحذيرية موجهة تحديداً إلي ضابط المخابرات آنذاك المقدم عبود الزمر الذي قاد محاولة فاشلة لاغتيال السادات في المنصورة أثناء زيارة السادات لها وهي المحاولة الفاشلة الثانية التي خطط لها بعد أن كان قد خطط من قبل لاغتياله في استراحته بالقناطر ولكنه أدرك أنها لن تنجح قبل أن يفكر في تنفيذها.
كان السادات في هذه الفترة قد وصل إلي قمة عصبيته التي وضحت في هجومه علي الجماعات الدينية وركز علي الشيخ المحلاوي الذي هاجم زوجته السيدة جيهان فقال السادات: "والآن فإن هذا الرجل ملقي في السجن كالكلب" ثم راح يسخر من الجماعات الدينية ومن الفتيات المحجبات وشبه ملابسهن بأنها "كالخيام المتحركة" ثم سخر من أصحاب اللحي ثم أطلق لفظ ثورة 5 سبتمبر علي حملة الاعتقالات التي شملت حوالي 1536 شخصية مصرية من جميع الاتجاهات الفكرية والفنية والثقافية والسياسية والدينية واستمرت خطبته التي هاجم فيها كل رموز الوطن حوالي 4 ساعات.
في اليوم التالي لخطاب السادات الطويل وإنذاره للضابط الهارب عبود الزمر استقبل الأخير في مخبئه السري رسولاً من محمد عبدالسلام فرج قائد تنظيم الجهاد يحمل إليه خطة خالد الإسلامبولي لاغتيال السادات وكان هذا الرسول هو صالح أحمد جاهين لكن الزمر اعترض وقال إنه من المستحيل تنفيذها وأنه لو علي فرض قد نجحت فإن اغتيال السادات ليس كافياً لتحقيق أهداف تنظيم الجهاد.
فرج استقبل رفض الزمر الذي كان قائد الجناح العسكري للتنظيم بوصفه بالرجل الضعيف المتردد وبعث إليه من يقول له "أولي أن تؤدي دورك من أن تمنع الآخرين من تأدية أدوارهم" وفي التحقيقات التي جرت فيما بعد مع عبدالسلام فرج قال إن رفض الزمر لم يعن له شيئاً فهو أي فرج فقيه الجماعة وأمره نافذ وأن الزمر يعرف ذلك.
ولد عبود عبداللطيف حسن الزمر في قرية "ناهيا" في محافظة الجيزة قبل أن تنضم لمحافظة 6 أكتوبر مؤخراً في 19 أغسطس عام ..1947 التحق بالكلية الحربية عام 1965 وتخرج فيها عام 1967 وذلك عقب نكسة يونيو 1967 مباشرة وكان ضمن دفعته الفريق سامي عنان رئيس الأركان العامة الحالي للجيش.
التحق بشعبة الاستطلاع في جهاز المخابرات وشارك في عدد من العمليات خلف خطوط العدو في حرب الاستنزاف وشارك أيضاً في حرب أكتوبر عام 1973 وحصل علي ترقية استثنائية في ميدان القتال أثناء حرب 1973 حيث رقي إلي رتبة نقيب لجهوده في الحرب كما حصل علي دورات متخصصة منها فرقة الصاعقة وفرقة المظلات وفرقة رؤساء استطلاع اللواءات وفرقة استطلاع.. وفي عام 1978 حصل الزمر علي درع القوات المسلحة والمركز الأول في تدريبات الجيش المصري وشهادة تقدير من إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع وكان وقتها برتبة رائد.
دخل عبود الزمر الحركة الإسلامية عام 1979 عن طريق ابن عمه وابن خالته طارق عبدالموجود الزمر الذي هو أيضاً شقيق زوجته أم الهيثم وبدأ رحلة التدين من مسجد أنس بن مالك بالمهندسين وتأثر كثيراً بخطب الشيخ إبراهيم عزت زعيم جماعة التبليغ والدعوة في مصر وقتها.
بدأ فكر الزمر يتشكل دينياً وسياسياً ليصل به إلي ضرورة البحث عن حل إسلامي للمشكلات العامة التي تمر بها البلاد حتي وصل إلي قناعة بضرورة قتل السادات وحصل علي فتوي تجيز له ذلك من أمير الجماعة وقتها الشيخ عمر عبدالرحمن الذي سئل "هل يحل دم حاكم لا يحكم طبقاً لما أنزل الله؟" وكانت إجابة الشيخ "نعم يحل دم مثل هذا الحاكم لأنه يكون قد خرج إلي دائرة الكفر".
وكما لعب طارق الزمر دوراً في توجيه ابن عمه وصهره دينياً قام بتعريفه بقائد تنظيم الجهاد المهندس محمد عبدالسلام فرج وتم اللقاء عام 1980 وبعدها أصبح عبود قائد الجناح العسكري للتنظيم.
كان تنظيم الجهاد كما وضع فلسفته وخطوطه التفصيلية المهندس عبدالسلام فرج يهدف إلي إقامة دولة إسلامية من خلال ثورة شعبية تعمل من خلال مبدأ "إذا أغلقت أمامنا الطرق وجب القتل".
وانضم خالد الإسلامبولي الذي كان برتبة ملازم أول مدفعية مواليد 14 نوفمبر 1957 إلي التنظيم.. وأخذ القرار بقتل السادات وحده دون هدف آخر.. وذلك علي خلفية اعتقال السادات لشقيقه الأكبر محمد ضمن حملة اعتقالات 5 سبتمبر.
من المفارقات أن طارق الزمر عندما عرض اسم خالد علي عبود الزمر لتنفيذ المهمة قال له عبود: ماذا يفعل ملازم أول وسط كل هذا "الهيلمان".. وكان رأيه أن قتل السادات أولاً يعطل فكرة قيام ثورة شعبية لتغيير نظام الحكم ولكن بعد أن جاءه رد فعل محمد عبدالسلام فرج اضطر إلي الموافقة خاصة عندما طمأنه أعضاء التنظيم بأنه في حال فشل المحاولة فالذي سيتحمل المسئولية جميعها خالد الإسلامبولي كما أن احتمال أن ينجح في هذه المهمة وينجو بحياته يكاد يكون معدوماً تماماً.
كانت فتاوي الدكتور عمر عبدالرحمن وابن باز والشيخ صلاح أبوإسماعيل تشجع أعضاء التنظيم علي التخلص من السادات والانقلاب عليه بعقيدة راسخة وقلب صلب برغم أن فترة السبعينيات شهدت تشجيعاً واضحاً للقيادات الدينية لتساعد السادات علي مقاومة طغيان الزعامة الناصرية والتأثير الذي تركه عبدالناصر.
وهو ما اعتبره البعض إشارة من الرئيس تؤكد انحيازه للتيار الديني إلا أن الجماعات الإسلامية ومنها جماعة أو تنظيم الجهاد لم تفهم لعبة السادات السياسية وتصور الجميع أن الرجل سيتحول إلي خليفة للمسلمين وبالتالي عليهم أن يستفيدوا من هذه الفترة وبدأوا في مراجعة مواقف السادات حتي وضعوه تحت الميكروسكوب وتساءلوا هل تتطابق حالته مع الحالات التي يجوز فيها الخروج علي الحاكم وذلك بعد أن عقد منفرداً معاهدة الصلح مع العدو الإسرائيلي وجاء رأي العلماء. منقسماً. البعض ينادي بالصبر والبعض الآخر يوجب الخروج عليه لأنه قبل بإنهاء الصراع المسلح بين العرب وإسرائيل وكأنه أخذ التوكيل من الأمة العربية والإسلامية وساهم في هدم النظام العربي وضياع فلسطين وضياع ثقل مصر فانفردت إسرائيل بسوريا ولبنان والأنكي أنه بدأ في تطبيع العلاقات لدمج إسرائيل في النظام العربي.
كانت خطة عبود الزمر واسعة وشاملة تبدأ بثورة شعبية إسلامية وتنتهي بقتل السادات والسيطرة علي البلاد وإقامة دولة إسلامية بينما كانت خطة خالد الإسلامبولي ورفاقه هي قتل السادات والتخلص من فرعونيته حتي أنهم عندما وصلوا إلي المنصة وكان مبارك وأبوغزالة وزير الدفاع في مرمي نيرانهم طالبوهما بالابتعاد لأنهما لا يريدون سوي الطاغية أو الفرعون السادات!
نجم تليفزيوني
وكما كانت ثورة الشباب يوم 25 يناير بداية الأيام السوداء في حياة مبارك المخلوع حسني مبارك كانت علي العكس تماماً لعبود الزمر الذي صدر الحكم عليه بالسجن 25 سنة في قضية اغتيال السادات و15 عاماً في قضية محاولة جماعة الجهاد المحظورة قلب نظام الحكم بالقوة قضي منهما 30 عاماً قبل أن يصدر المجلس العسكري قراراً بالإفراج عنه ضمن 60 سجيناً سياسياً آخر من نفس التنظيم.
وكان عبود وابن عمه الذي حصل علي الدكتوراة في القانون من داخل السجن قد خاضا صراعاً قانونياً شرساً مطالبين بالإفراج عنهما بعد أن قضيا العقوبة إلي أن أفرج عنهما المجلس العسكري. وكان حبيب العادلي وزير الداخلية يتشدد في الإفراج عنهما بعد قضاء العقوبة حيث كان خروج عبود الزمر يشكل له قلقاً من نوع خاص يرجع إلي سنوات طويلة مضت عندما كتب عبود مقالاً بعنوان "كيف أضر حبيب العادلي بالأمن القومي" وعندما سئل عن سبب قوته في مواجهة الآخر قال إنه يستمد قوته من أسرته وزوجته أم الهيثم وحكي أن له عماً كان يقاتل في حرب 73 بسيناء إلي أن حوصر مع مجموعة من أفراد قوته حيث طلب الإسرائيليون منه الاستسلام لكنه رفض وبدأ في إطلاق النار علي الدبابات الإسرائيلية التي أسرعت بالتقدم نحوه وهو ثابت إلي أن دهسته جنازير الدبابات وهو يهتف باسم مصر وباسم الإسلام.
أما جانب السعد علي عبود الزمر أنه بعد أن خرج من السجن الذي عاش فيه متهماً بجريمة قتل وجد استقبالات شعبية بقريته ناهيا واستقبالاً إعلامياً يفوق الوصف حيث عومل كبطل من أبطال التحرير أو الفاتحين وكأنه نيلسون مانديلا الثائر الذي قضي في السجن 27 عاماً من أجل حرية بلاده وليس قاتلاً يقضي عقوبة لقتله رئيس جمهورية أدي مقتله إلي وصول ديكتاتور اغتصب السلطة علي مدار 30 عاماً وجعل البلاد عزبة له ولأولاده وخلصائه.
في حواراته التي أجراها مع الصحف والمواقع والفضائيات كان يذيع أسراره سراً سراً بحرفية عالية فيعطي سبقاً لكل قناة أو جريدة تجري معه حواراً ولكن من المفاجآت التي أعلنها الزمر أن الفريق سامي عنان رئيس الأركان الحالي دفعته وصديقه ومنذ الإفراج عنه في 12 مارس الماضي تحول إلي نجم تليفزيوني وحل ضيفاً علي القنوات الرسمية والخاصة حيث بدأ يحكي علي راحته بينما مذيعو القنوات يتعاملون معه وكأنه بطل قومي خرج من السجن بعد سنوات طويلة قضاها في النضال فمثلاً علي الهاتف كان خيري رمضان الصحفي بالأهرام والمذيع أيضاً بالتليفزيون المصري يحادثه عبر برنامج "مصر النهاردة" لدرجة أنه لم يكن مصدقاً أنه يتحدث له حين قال له "بسم الله ما شاء الله. لا السجن ولا السجان أثروا فيك ولا أخدوا منك.. أنا مبسوط وسعيد ومش مصدق أن حضرتك بتتكلم في تليفزيون مصر".
مني الشاذلي استضافته ببرنامجها "العاشرة مساء" في بث مباشر من دواره بقرية ناهيا حيث استمعت إليه ولم ترده حين قال إنه لا مانع لديه من سفك بعض الدماء من أجل إقامة الدين لأنه أعظم حرمة.
كانت هذه الإجابات تقود المشاهد إلي اتجاه واحد فقط وهو فكر وعقيدة عبود الزمر التي لا تجد مانعاً في القتل في سبيل الدين. كما أجرت قنوات عربية حوارات أخري معه كان الرجل ثابتاً فيها علي موقفه وحصراً علي آرائه حيث بشرنا بدولته المنتظرة وبأنه سيطرح مرشحه للرئاسة في حال عدم دخول جماعة الإخوان المسلمين الانتخابات.
الشاهد أن الأحداث حتي الآن تقول إن ثورة شباب 25 يناير التي راحل ضحيتها أكثر من 600 شاب من زهرة شباب مصر قامت لكي يركبها عبود الزمر وجماعته.. وفي أحسن الأحوال الإخوان المسلمين.